.                                    
+grab this

0 لا تسألوا أهل الجهالة فيضلونگم


لا تسألوا أهل الجهالة فيضلونگم

د· إبراهيم العجلان:
*   التقوّل على الشرع بالظن مرض خطير  وانحراف كبير  وهو مؤشِر على رقَّة الدين وحب الرياء
*   (قتَلوه قتَلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا) هكذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم الذين يفتون بغير علم بل دعا عليهم
متابعة: سليمان الصالح
ما أكثر الفتاوى والمفتين في عصرنا الحاضر بعد أن أتاحت الفضائيات مساحة كبيرة للظهور وإفتاء الناس، والخطورة أن كثيرا من المتصدين للفتوى ليسوا بأهل لها ولا علم عندهم وقد أثارت فتاويهم الفتنة بين الناس
فمن قائل لا بأسَ بالنظر إلى الجميلات؛ من أجل التفكر في عظمة الله· ومن قائل يجوز للمرأة أن تتولَّى الإمامة في الصلاة على الرجال· ومن أفتى بأن ربا البيوع لا بأس به، إذا كان دون قصد القرض، وأن الربا لا يجري في الأوراق النقدية· وفتاوى أخرى ترى أن الغناء حلال، لأنه لم يأتِ نصٌّ صريحٌ في تحريمه كما يدعون، إلى آخر هذه الفوضى من الفتاوى التي تصدى لها العلماء وطالبوا بتوحيد مصدر الفتوى وإيجاد ميثاق شرف ينظم الفتوى في عالمنا الإسلامي وقد تحدث فضيلة الدكتور إبراهيم بن صالح العجلان عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة الملك سعود عن هذه القضية ليضيف جهداً إلى جهود العلماء في التصدى لفوضى الفتاوى·
لماذا تتسارع الفتاوى؟
يقول فضيلته: إن واقعنا المعاصر ما زال يتمخض بفتاوى لم يقل بها مَن سلف، وقيلت بلا إثارة من علم· ولا ندري هل يُخفي المستقبل في جعبته المزيدَ من هذا العبث بمقام الفتوى؟! فتاوى وفتاوى تتسارع الأفواه في نقلها، وتتسابق الفضائيات في عرضها، أضلَّتْ أقوامًا، وتشبث بها مَن في قلبه مرض، ومن هو مغرمٌ بتتبُّع الزلات والرخص·

وإن مما ينبغي أن يُعلم ويستقر أن شأن الإفتاء عظيم، وموقعها جسيم؛ إذ هي توقيع عن رب العالمين، ووقوف بين الله تعالى وخلقه، ويكفي استعظامًا لشأنها أن المولى سبحانه قد قرَن التقول عليه وعلى شرعه بلا علم، بالفواحش والظلم والإشراك؛ {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }·
وأنكر سبحانه وشنع على من يرسلون ألسنتهم تحليلاً وتحريمًا بلا علم، وسمى ذلك افتراءً وكذبًا:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } وقال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ
وإذا كان الكلام في شرع الله بلا علم هو نوع من الكذب على الله تعالى أفلا يكفي زجرًا وإنذارًا قول الجبار تعالى: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}؟!
مرض خطير وانحراف كبير
وشدد فضيلته على أن التقوّل على الشرع بالظنِّ مرضٌ خطير، وانحرافٌ كبير، وهو مؤشِّر على رقَّة الدين وحب الرياء، والمفاخرة والادعاء، توعد أهلَه ربُّ الأرض والسماء بالوقوف والمحاسبة: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }·
وحذَّر نبينا [ من سؤال أهل الجهالة؛ بل دعا عليهم، فحين بلغه قصةُ الرجل الذي شُج رأسُه في سفر فاحتلم، فسأل الرجل أصحابَه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟! فقالوا: ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فقال النبي ﷺ : (قتَلوه قتَلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا)·
نهج السلف مع الفتوى
ويدلنا الدكتور العجلان على نهج السلف مع الفتيا مبيناً أن تاريخنا يضم صفحاتٍ وضاءةً من أخبار سلفنا مع الفتوى، حيث نرى الديانة الحقة، والتورع الصادق، فلقد استشعَروا عظمة الله، وعظُم مقام ربهم في قلوبهم، فتهيبوا الفتيا وهربوا منها، وما تصدروا لها؛ بل كان أحدهم يتمنى لو أن غيره كفَاه؛ قال ابن ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله [ فما كان منهم مفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا· وهذا فقيه العراق أبو حنيفة يقول: من تكلَّم في شيء من العلم وهو يظن أن الله – عزّ وجلَّ – لا يسأله عنه: كيف أفتيتَ في دين الله؟! فقد سهُلت عليه نفسه ودينه· وقال سفيان بن عُيينة: أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بُدًّا من أن يفتوا· وقال أيضًا: أعلمُ الناس بالفتيا أسكتُهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها·
بل بلغ من غَيرة سلفنا على دين الله أنهم كانوا يتحسرون ويبكون إذا رأَوُا المتجرئين والمتسلقين على مقام الفتيا؛ دخل رجل على الفقيه ربيعةَ بنِ أبي عبد الرحمن فرآه يبكي، فسأل عن بكائه، فقال: استُفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ثم قال: ولبعض من يفتي هاهنا أحقُّ بالسجن من السراق·
قال ابن الجوزي – وهو من علماء القرن السادس – : هذا قول ربيعةَ والتابعون متوافرون، فكيف لو عاين زماننا هذا؟! بل كيف لو أدرك ابن الجوزي هذه الأزمان، وقد تجرأ على الإفتاء من هبَّ ودبَّ دون علم ولا ورع ولا أدب؟!
(لا أدري)·· لم نعد نسمعها
لقد استشعر سلفنا أن الفتيا توقيع عن رب العالمين، فسعَوْا إلى خلاص أنفسهم قبل خلاص السائل، فكانوا لا يجدون غضاضة ولا حرجًا أن يقولوا كثيرًا: لا أدري؛ يُسأل إمام دار الهجرة – الإمام مالك – في مسألةٍ من رجلٍ غريب، فيأتيه الجواب: لا أدري، فيقول: يا أبا عبد الله، تقول: لا أدري؟! قال: نعم، وأبلِغْ من ورائي أني لا أدري·
وهذا إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل – وهو من هو – في العلم وحفظ السنَّة، يصف لنا تلميذُه أبو داود شيئًا من تورُّعه وتوقفه عن الفتيا، فيقول: ما أُحصي ما سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري·
الفتوى ليست كلأ مباحا
وإذا كان هذا شأنَ الفتوى، وهذا محلها، فإن من تعظيم الفتوى أن تُحفظ مكانتُها وقداستها· ومن حفظها ألا تتعدى أهل الاختصاص فيها؛ فليست الفتوى كلأً مباحًا، يقول فيها من شاء كيف شاء· مردُّ الفتوى للعلماء، والعلماء فقط، العلماء المعروفين بطول باعهم في العلم، تحصيلاً وتبليغًا، والمشهور لهم بدقة الفهم، ومعرفة حال المستفتين، ومآلات الفتوى، العلماء الذين يعظِّمون النص، فلا يلتفّون على الأحكام الشرعية بتعليلات وهمية، ولا يوردون على النصوص القطعية احتمالاتٍ جدليةً؛
قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم· مسائل الدين لا تؤخذ من المفكرين، ولا من المثقفين، فضلاً عن غيرهم من الأدباء والصحفيين، مسائل الإفتاء هي من العلماء وإلى العلماء، وإذا أُخذت الفتوى من غير أهلها، شاع الباطل وأُلبس لباسَ الحق، ونُسب إلى الدين ما ليس منه، وحسبك به شرًّا وشؤمًا·
إذا تكلم في العلم غيرُ أهله، ظهرت الفتاوى الشاذة، وحُلِّل الحرام، وتدافق الناس على ارتكاب الآثام، ونسيت وهُجرت أقوالُ أئمة الإسلام، وهذه تالله فتنةٌ إذا عمَّت أعمتْ، وإذا اشرأبّت لها القلوب أصمَّت، فلا يعلم صاحبها حينها أنه بها مفتون، وأن تدينه وإيمانه بعدها غير مأمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون·
احتط لدينك واسأل الفقهاء
وإذا كان اختلاف العلماء في شأن الفتيا قديمًا وحديثًا أمرًا قدريًّا، فمن الواجب الشرعي أن يحتاط المسلم لدينه، ويتقي ربَّه في اختيار ما تطمئنُّ له نفسه من فتاوى العلماء الراسخين، فالإثم ما حاك في الصدور، وإن أفتى به الناس وأفتوا، وليحذر المسلم كلَّ الحذر من تصيُّد الفتاوى الشاذة، وتلمُّس الأقوال المهجورة، فهذا مزلة وانحراف، واتباع للهوى، وإن لبَّسها صاحبُها لباس الدين؛ قال الذهبي: من يتَّبع رُخصَ العلماء، وزلاتِ المجتهدين، فقد رقَّ دينه· ونقل ابن عبد البر الإجماعَ على المنع من تتبُّع الرخص؛ بل عدَّه جمعٌ من الفقهاء مما يفسق به فاعلُه·
وحين تكون الفتوى مؤصلةً تأصيلاً شرعيًّا، بعيدةً عن الشذوذ، مراعىً فيها رضا الحق وصلاح الخلق، فإن هذه الفتوى تترك في الأمة أثرًا واضحًا، وتؤتي أُكُلها الطيب كل حين؛ ولذا كان من ثمار هذه الفتاوى النيّرة الصحيحة: نشر العلم، وإزالة الجهل، وإنارة العقول، وتوثيق صلة الأمة بعلمائها، مع تعميق التديُّن في نفوس الناس، وطمأنينتهم على صحة أدائهم للتكاليف الإسلامية·

لقد أصبح الحديث عن الفتاوى هو الحديثَ المقدم في بعض وسائل الإعلام، وأضحتْ أخبار شواذِّه هي السبقَ الإعلامي الذي تتسارع إليه بعض القنوات، مع إساءة واضحة للفتاوى وأهلها، يدركها الغبي قبل الذكي، من خلال إظهار التناقض بين العلماء وتجهيلهم؛ للتقليل من شأنهم، وفقد ثقة الناس بهم، فضلاً عن متاجرة بعض وسائل الإعلام بالفتاوى، فتروّج الفتوى التي توافق الهوى، لا حبًّا في العلم والهدى؛ وإنما لأن تلك الفتوى تسير على خط الصحيفة أو القناة؛ ولذا ترى التضخيم الواضحَ لبعض الفتاوى وأهلها، حتى لَيخيل للمرء أنه لا يجيد الفتوى إلا مِثلُ هؤلاء النكرات في ساحة العلم، وهذا لعمر الله فتنةٌ على صاحبها، تورث الإعجاب والغرور، فيجعل من تتبع الشواذ وإذاعتها قنطرةً له نحو الاشتهار:
 
إن انتشار الفتاوى الشاذة الخاطئة، والتقدم بين يدي العلماء إفتاءً وتوجيهًا، مؤشرٌ لا يبشر بخير، وفتنة لها ما بعدها من التلبيس والإضلال؛ قال ﷺ : (لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، ويَظهر الجهل، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل)· رواه الإمام أحمد والبخاري· وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
(إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا)· ولذا؛ ما زال علماء السُّنة عبر حقب التاريخ يوصُون أيامَ الفتن باجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، ونبذ الفرقة، ويدخل في هذا دخولاً أوليًّا الاجتماعُ في أمر الدين، وقد ترك بعض الصحابة بعض آرائهم الفقهية؛ من أجل اجتماع الكلمة، وأن الخلاف شر·
وصايا وحلول
أن من أسرع صور التفرق والاختلاف وإحداث البلبلة في المجتمع: الشذوذَ عن فتاوى علماء الأمة المعتبرين، بنشر فتاوى شاذة، أو إحياء أقوالٍ نادَّة، مصادمة للنصوص، وإن قال بها من قال·  
ومع نشوء هذه الفتاوى الشاذة ورنينها، وتلميع القنوات لها، فإن من الواجب علينا التواصي على الحق، والصبر عليه، وسؤال الله الثبات عليه، ومن الوصايا والحلول العملية بعد هذا العبثِ بالفتوى، وتصدر الجهلة لها:
- أهمية خروج أهل العلم الكبار للفتوى، وتصدّرهم وتصديرهم لها·
- المبادرة إلى إصدار فتاوى جماعية لمواجهة ما يندُّ من الفتاوى الشاذة؛ لإرجاع البسطاء إلى جادة الصواب·
- نشر الوعي بين الناس بأهمية استفتاء العلماء، وإعلام الناس أن استفتاء مفتٍ عُرف عنه التساهل في قضايا كثيرة جدًّا لا تبرأ به الذمة·
- وعلى من ولاّه الله الأمر أن يمنع بسلطانه من يكون سببًا في رقَّة الدين؛ حماية للدين، وجمعًا للكلمة؛ )فإن الله يزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وإذا كان من السياسة معاقبةُ من يفتئِتون على الساسة، فمعاقبة من يوقّع عن الرب، ويفتئت على الشرع، أولى وأوجب·
abuiyad

لا يوجد تعليق على "لا تسألوا أهل الجهالة فيضلونگم"

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

المشاركات الشائعة

المواد الجديدة في أقسام الموقع المختلفة

تبرع عبر الشبكة